“رقصة أرملة” للفنان المبدع محمد سعود…

9 أكتوبر 2020 - 10:55 ص

كانت جارتنا “زينب” أرملة يطلق عليها جيراننا “زينب الهجالة” ، فقدت زوجها منذ عدة سنوات ولكنها لم تفقد سحرها وجمالها مما جعل كل جيراننا يتحرشون بها بما فيهم شيخ عجوز يدعى” الحاج بو خروبة” الذي كان يجلس قرب الباب كعلامة ثابتة للتشوير تتعرف من خلاله أنك قريب من محطة الحافلات ،، وكلما مرت زينب أمامه إلا وركز بعصاه الأرض متحسرا على غدر الزمن به وظهور هذه الأرملة الجميلة في أرذل عمره ،،سألته يوما ما إذا كان يرغب في الزواج بها فأشبعني سبا وشتما وقال لي “الله يلعن اللي ما يحشم”، وبعد ان حرك عصاه نحوي تركته مع عصاه الخشبية وعصاه الأخرى التي لا تشق غبارا وكامنة لا تتحرك كدودة نائمة تحت سطح الأرض، كما أن البقال ” با حماد” لم يكن يحاسبها على أي تأخير في تسديد ديونها رغم أنه وضع لافتة كبيرة على واجهة زجاجية “ممنوع السلف ولكريدي “،
كانت زينب تحاول أن تعيش ببيع أشرطة الموسيقى وبعض الفطائر ، وكان لها زبائن كثر خاصة من الرجال،، قد يشترون منها حتى ولو لم يكونوا في حاجة إلى هذه الفطائر،، ينعمون بالحديث معها وبنوع من الفيتيشية ينظرون الي حذائها اللامع ويشتمون رائحة يديها وسط الخبز أو على غلاف الأشرطة رغم أن زوجاتهم يحذرونهم من شرائها خاصة من زينب،، كانت بالنسبة لهن مصدرا للخطورة تهدد أزواجهن وابناءهن رغم أنها كانت حريصة على أن تكون سيدة محترمة وتتجنب كل الشبهات،، يراقبنها في كل حركاتها وحتى في كلامها ،، يمنع عليها منعا كليا أن تسأل عن صحة زوج او ابن فلانة .. ولا يقمن بأي ردة فعل إذا تحوش بها أزواجهن أوأبناءهن ،، كانت زينب تعيش جحيما لا يطاق،، ولكن رغم ذلك تنفلت ليلا من دائرة هذه الشكوك التي تحيط بها فتطلق موسيقى بصوت خافت فتقوم بالرقص على أنغام الفلامنكو التي كانت تناسبها في حركاتها العنيفة تركل بها الأرض والسماء والزمن الذي حرمها من زوجها ومتعة سلام الروح .وكانت في هذه الحركات لا تختلف كثيرا عن الحاج بوخروبة حين يحرك عصاه.
كنت أراقب حركاتها سرا وهي ترقص بفستان أحمر يزيد في حرارته من دينامية هذا الرقص العجيب،، كانت أول مرة في حياتي أراها ترقص لأنها نسيت النافذة مفتوحة بعد منتصف الليل ،، لم أعد أرى زينب كما كانت من قبل،، كنت أرى فيها فراشة تشع حيوية ونشاطا،،
اضطررت بعد أيام للرحيل فتركت زينب ترقص دون أن يراها أحد ولم اخبر عنها أحد ..
أحد أحد ،، لا يعلم ما وراء جدراننا إلا هو الأحد.
اللوحة بعنوان “رقصة أرملة” تقنية مختلطة على ورق /1987.

مشاركة فيسبوك تويتر واتساب
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .