السلطة الرابعة

ملتمس الرقابة وسحب الثقة من الحكومة في النظام الدستوري المغربي”.. بقلم الدكتور مصطفى بن شريف

benchrif

“ملتمس الرقابة وسحب الثقة من الحكومة في النظام الدستوري المغربي”.. بقلم الدكتور مصطفى بن شريف
كتب بواسطة Abdelkader Bouras
21 فبراير، 2021
84 المشاهدات

الدكتور مصطفى بن شريف: محامي بهيئة وجدة وأستاذ زائر بجامعة محمد الأول بوجدة

من المعلوم أن الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في النظام الدستوري المغربي، تنقسم إلى قسمين، رقابة مباشرة ورقابة غير مباشرة. فالرقابة المباشرة هي وسيلة دستورية بواسطتها يتولى البرلمان محاسبة الحكومة سياسيا عن طريق تقييم أعمالها وسياساتها العمومية، وقد يترتب عنها إسقاط الحكومة، وهي النتيجة السياسية التي يتقاسمها ملتمس الرقابة مع مسطرة سحب الثقة من الحكومة.

أما الرقابة غير المباشرة المسندة لأعضاء مجلسي البرلمان فلا يترتب عنها جزاء تقديم الحكومة لاستقالتها، وتشمل الأسئلة الكتابية والشفهية، لجان التحقيق، الأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، ملتمس مساءلة الحكومة من طرف مجلس المستشارين، عرض رئيس الحكومة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان، والاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية .

والحكومة في النظام الدستوري المغربي، لا تكتسب شخصيتها الدستورية إلا بعد تعيينها من طرف الملك (الفصل 47 من الدستور)، وبعد تنصيبها من طرف البرلمان (الفصل 88 من الدستور)، عن طريق نيل ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب “لصالح البرنامج الحكومي”.

فإذا كان تعيين الحكومة اختصاص ملكي، فإن تنصبيها من صلاحيات البرلمان/مجلس النواب بعد التصويت على البرنامج الحكومي. ولا تعتبر الحكومة منصبة دستوريا إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه لصالح البرنامج الحكومي.

وفي حال عدم حصول البرنامج الحكومي على ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فإنه يترتب على ذلك تقديم رئيس الحكومة الاستقالة إلى الملك (استقالة جماعية)، وبناء عليه، ووفقا لمدلول الفصل 47 من الدستور، يجوز للملك أن يكلف نفس رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة، أو اعتماد خيارات أخرى، من أهمها قد يكون تكليف رئيس حكومة جديد من ذات الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.

ويلاحظ بأن الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة تبدأ بصفة قبلية مع آلية التنصيب البرلماني للحكومة، وهو أسلوب يرتب ضمنيا المسؤولية السياسية للحكومة وقبل تنصيبها، إلى جانب ملتمس الرقابة، الذي يعتبر أسلوبا وسلاحا رقابيا فعالا يمارس بمبادرة من أعضاء مجلس النواب، اعتبره جانب من الفقه بالمراقبة المواكبة أو المصاحبة، استنادا إلى أحكام الفصل 105 من دستور 2011، وقد ينتج عنه إسقاط الحكومة، ولذلك فإن تفعيل الملتمس المذكور يحتاج إلى النصاب الدستوري، المتمثل في التوقيع عليه من طرف خمس أعضاء مجلس النواب على الأقل ( ). ومن أجل الإطاحة بالحكومة يتعين تحقق وقيام النصاب الدستوري المطلوب وهو الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وإلى جانب “ملتمس الرقابة” الذي بيد البرلمان لمراقبة أعمال الحكومة، توجد آلية “طرح الثقة” التي تكون بمبادرة من رئيس الحكومة استنادا إلى الفصل 103 من الدستور، والتي قد تسفر عن سحب الثقة من الحكومة في حال عدم التصويت على طلب طرح الثقة من طرف أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو تجديد الثقة في الحكومة.

من المعلوم أن جميع الدساتير التي عرفتها المملكة المغربية، نصت على “ملتمس الرقابة”، كأسلوب من أساليب الرقابة السياسية التي يتولاها البرلمان على أعمال الحكومة ( )، ومارسه البرلمان المغربي مرتين، الأولى كانت في 15 يونيو 1964 بمبادرة من فريق المعارضة البرلمانية، “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”. لكن الملتمس، لم يصوت عليه سوى 60 نائبا من أصل 144، مما حال دون إسقاط الحكومة.

والملتمس الثاني كان في 14 ماي 1990 بمبادرة من المعارضة البرلمانية المتمثلة في حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي. وهو الملتمس الذي بدوره لم يحصل على النصاب الدستوري لإسقاط الحكومة، أي على الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب بعد التصويت ضده من طرف 200 نائبا مقابل 82 نائبا لفائدته.

وبالنظر إلى أهمية وزخم” ملتمس الرقابة” “وطلب طرح الثقة”، في النظام الدستوري المغربي، فإننا سنتولى دراسة الموضوع بالتطرق إلى ملتمس الرقابة في النظام الدستوري المغربي (أولا)، ثم سنتعرض إلى طلب طرح الثقة من طرف رئيس الحكومة أو سحب الثقة من الحكومة في النظام الدستوري المغربي (ثانيا).

أولا– ملتمس الرقابة في النظام الدستوري المغربي:

يعتبر ملتمس الرقابة وسيلة رقابية دستورية جد فعالة بيد البرلمانيين، لأنه في حال قبوله بعد اكتسابه النصاب الدستوري المتمثل في تقديمه من طرف خمس أعضاء مجلس النواب، فإن ذلك قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة إذا ما تم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب عملا بأحكام الفصل 105 من دستور 2011 .

وتطبيقا لمقتضيات الفصل 70 من دستور 2011، يمارس البرلمان السلطة التشريعية. ويصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية.

وهكذا يؤخذ من التشريع الدستوري بأن البرلمان هو الجهة المكلفة بمراقبة أعمال الحكومة ويسائلها سياسيا عن أخطائها التي قد تتعارض مع المصلحة العامة، عن طريق تفعيل ملتمس الرقابة، كلما تبين بأن السياسات العمومية تخالف البرنامج الحكومي الذي صوت عليه مجلس النواب وعلى أساسه تم نيله الثقة، وتبعا لذلك تم تنصيب الحكومة دستوريا كما ينص الفصل 88 من دستور 2011 .

ومن المعلوم أن النظام البرلماني يقوم على مبدأ فصل السلطات وعلى التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية دون تعدي سلطة على سلطة أخرى، لأن وجود برلمان لا يعني بالضرورة أن النظام السياسي برلماني، بل يتعين تحقق وقيام فصل السلطات وتعاونها.

ويعتبر ملتمس الرقابة أهم وسيلة رقابية يمارسها البرلمان بمبادرة منه ضد الحكومة، التي لم تتقيد بالبرنامج الحكومي الذي صوت عليه مجلس النواب بمناسبة تنصيبها، أو بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. وهي الأسباب التي شكلت أساس ملتمس الرقابة في سنتي 1964 و 1990 في المغرب، لكن في الحالتين معا لم يترتب عنهما إسقاط الحكومة، بسبب عدم التصويت عليهما بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وهو النصاب الدستوري الموجب لترتيب جزاء تقديم الحكومة لاستقالتها استقالة جماعية.

ويستفاد من دستور 2011، أنه تضمن مستجدات وردت فيه ولأول مرة، تتمثل في تأكيده في الفصل 10 منه، على تمكين المعارضة البرلمانية من حقوق لم تكن مألوفة في الدساتير السابقة. ومن أهمها المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، ولا سيما عن طريق ملتمس الرقابة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق.

ومن أجل تفعيل ملتمس الرقابة كوسيلة رقابية على الحكومة، يتعين وجوبا قيام “النصاب الدستوري لتقديم الملتمس” ، و “التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب من أجل ترتيب جزاء إسقاط الحكومة”.

1: النصاب الدستوري لقبول ملتمس الرقابة في الدساتير المغربية:

يعتبر ملتمس الرقابة ( Motion de censure) ) في النظام الدستوري المغربي، سلاحا سياسيا جد فعال وخطير، قرره المشرع الدستوري لتوظيفه وتفعيله عند الضرورة من طرف المعارضة البرلمانية في إطار ممارسة دورها الرقابي على الحكومة، وذلك للضغط عليها أو لإسقاطها، في حال التصويت عليه من طرف أغلبية أعضاء مجلس النواب ( ).

وهو المقتضى الذي نص عليه الفصلين 49 و 50 من دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا في إطار العمل بنظرية العقلنة البرلمانية Rationalisation du parlementarisme.

وهكذا أجاز الدستور الفرنسي للجمعية الوطنية مساءلة الحكومة عن طريق تحريك ملتمس الرقابة لسحب الثقة منها، وهو الإجراء الدستوري الذي يستوجب لقبوله أن يكون موقعا على الأقل من طرف عشرة أعضاء الجمعية الوطنية، ولإسقاط الحكومة أوجب المشرع الدستوري التصويت عليه بأغلبية الأعضاء الذين تتالف منهم الجمعية الوطنية.

وبالنسبة لدستور الجمهورية التونسية لسنة 2014، جاء في الفصل 97/ الفقرة الأولى، أنه “يمكن التصويت على لائحة لوم الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس”.

ونظرا لأهمية ملتمس الرقابة كآلية رقابية سياسية على الحكومة يتوفر عليها البرلمان، فإن المشرع الدستوري أولاها مكانة هامة ضمن بنية الدساتير التي عرفها المغرب.

ويحتاج وجوبا ملتمس الرقابة لقبوله كإجراء مسطري دستوري توفره على النصاب الدستوري، و هو شرط شكلي جوهري، بدونه لا يمكن إدراجه ضمن جدول أعمال مجلس النواب.

لقد عرف ملتمس الرقابة تحولا من حيث النصاب الدستوري الواجب توفره لقبول إدراجه في جدول أعمال البرلمان. إلا أن النصاب الدستوري الذي يؤدي إلى إسقاط الحكومة والمتمثل في التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب لم يعرف أي تعديل منذ أول دستور للمملكة (دستور 1962)، واتسم بالثبات بسبب المعرفة القبلية باستحالة وصعوبة استقطاب المعارضة البرلمانية لجزء من “الأغلبية المطلقة” لاستكمال النصاب المؤدي إلى إسقاط الحكومة.

لقد نص الفصل 81 من دستور 1962 بأن ملتمس الرقابة لا يقبل إلا إذا كان موقعا من طرف عشر (1/10) الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب على الأقل.

وسبق للمعارضة البرلمانية ولأول مرة في تاريخ البرلمان المغربي أن تقدمت بملتمس الرقابة ضد الحكومة، ونجحت في إدراجه بجدول أعمال المجلس، وذلك بتاريخ 15 يونيو 1964، من أجل إسقاط حكومة أحمد باحنيني ( ).

إن الملتمس المذكور خلق توترا سياسيا رغم عدم نجاحه في إسقاط الحكومة، نظرا للوقع الذي أحدثه على “بنية المشهد السياسي” وتأثيره الواضح على الرأي العام، الأمر الذي دفع بالملك الراحل الحسن الثاني إلى إعلان حالة الاستثناء، وحل البرلمان في 7 يونيو 1965، إلى جانب عوامل أخرى من أهمها انتفاضة 23 مارس 1965 التي سرعت باتخاذ القرار.

وبالنظر إلى فعالية ملتمس الرقابة وأثره على المشهد السياسي المغربي، ومن أجل الحد من أهميته السياسية وتأثيره في استقطاب الرأي العام من طرف المعارضة البرلمانية، دفع بالسلطة التأسيسية الفرعية إلى مراجعة النصاب الدستوري المتمثل في العشر المؤدي إلى تفعيل مسطرة “ملتمس الرقابة”، ضد الحكومة، وذلك برفعه إلى الربع بمقتضى الفصل 74 من دستور 1970، و هو النصاب الذي تم تأكيده في الفصل 75 من دستوري 1972 و 1992، و الفصل 76 من دستور 1996.

والجدير بالذكر أن دستور 1996، أسند أيضا إلى أعضاء مجلس المستشارين حق تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة، وحدد النصاب الدستوري لقبوله، وجوب توقيعه من طرف ثلث الأعضاء.

ومن أجل ترتيب جزاء إسقاط الحكومة، يتعين الموافقة على الملتمس بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس المستشارين، ولا يقع التصويت عليه إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس، وتؤدي الموافقة عليه، إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية (الفصل 77 من دستور 1996).

إن أهم المستجدات المتعلقة “بملتمس الرقابة”، كوسيلة رقابية على الحكومة، تتمثل في كون دستور 2011، نص في الفصل 105/الفقرة الأولى أنه يجوز “لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”.

وهكذا يتبين بأن المشرع الدستوري (دستور 2011) حدد النصاب الدستوري لقبول ملتمس الرقابة في خمس (5/1) أعضاء مجلس النواب، وهي الوسيلة الرقابية التي أصبحت من اختصاص مجلس النواب، دون مجلس المستشارين ( )، الذي لم يعد من صلاحياته تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة كما كان منصوصا عليه في الفصل 77 من دستور 1996.

ويستفاد من الفصل 105/الفقرة 1 من دستور 2011، أن ملتمس الرقابة من اختصاص مجلس النواب دون مجلس المستشارين، ولا يقبل الملتمس إلا إذا صدر ووقع من طرف خمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وهو سلاح فعال عادة ما تمارسه المعارضة البرلمانية، التي تتوخى إسقاط الحكومة، لأسباب سياسية وبأدوات دستورية، وإذا ما تم التصويت على ملتمس الرقابة بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، فإن ذلك يلغي الوجود الدستوري للحكومة، لكونه يؤدي إلى إسقاط الحكومة وتقديم استقالتها استقالة جماعية، خاصة أمام إعلان دستور 2011 عن ميلاد فاعل دستوري جديد يتمثل في “المعارضة البرلمانية” التي تمت دسترتها لأول مرة في تاريخ المملكة، والتأكيد على تمكينها من نظام قانوني خاص بها.

ولقد حدد النظام الداخلي لمجلس النواب كيفية تحريك وتفعيل المسطرة التي تحكم ملتمس الرقابة، وذلك بموجب المواد 153 و 154 و 155 و 156، التي تقضي بأن يقدم الملتمس إلى رئيس مجلس النواب، ضمن وثيقة تتضمن أسماء الموقعين عليه، ويجب أن لا يقل عددهم عن خمس الأعضاء، ولا يحق لأي عضو وقع على ملتمس الرقابة سحب توقيعه بعد إيداعه عملا بأحكام المادة 153 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

2: النصاب الدستوري للإطاحة بالحكومة عن طريق ملتمس الرقابة:

يتعلق الأمر بالنصاب الدستوري المؤدي إلى تقديم الحكومة لاستقالتها بشكل جماعي، و ذلك لما يتم التصويت على ملتمس الرقابة بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب تطبيقا لمقتضيات الفقرة 2 من الفصل 105 من دستور 2011، والذي يترتب عنه بتحققه إسقاط الحكومة.

ومن المعلوم أنه لا يقع التصويت على ملتمس الرقابة، إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

أنه وفي حال موافقة مجلس النواب على تقديم ملتمس الرقابة (أي التوقيع عليه من طرف خمس أعضاء مجلس النواب على الأقل)، فلا يقبل بعد ذلك تقديم ملتمس رقابة جديد أمامه خلال سنة، وهو ما يعني عدم جواز تقديم ملتمس رقابة جديد، إلا بعد انقضاء سنة كاملة عن آخر ملتمس تم تقديمه، وهو الشرط المنصوص عليه في الدساتير المغربية والفرنسية والإسبانية ( ).

ويستفاد من جميع الدساتير التي عرفتها المملكة، أن النصاب الدستوري المؤدي إلى إسقاط الحكومة، والمتمثل في التصويت على ملتمس الرقابة من طرف الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، لم يطرأ عليه أي تغيير رغم التعديلات الدستورية المتلاحقة من طرف المشرع الدستوري (الفصل 81 من دستور 1962، الفصل 74 من دستور 1970، الفصل 75 من دساتير 1972 و 1992 و 1996، و الفصل 105 من دستور 2011).

وملتمس الرقابة هو سلاح دستوري بيد البرلمان، يمكن تفعيله لمساءلة الحكومة مساءلة سياسية، والذي قد يترتب عنه إما إسقاطها أو استمرارها في مهامها. ولم يثبت في تاريخ البرلمان المغربي أن تم إسقاط أي حكومة عن طريق ملتمس الرقابة كآلية دستورية، رغم تقديمه مرتين.

الملتمس الأول كان بتاريخ 15 يونيو 1964، من طرف فريق “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، بمجلس النواب، استنادا إلى الفصل 81 من دستور 1962، و الثاني كان بتاريخ 14 ماي 1990، قدم من طرف الفريق الاستقلالي باسم فرق المعارضة بمجلس النواب (الفريق النيابي الاتحادي، التقدم و الاشتراكية، منظمة العمل الديموقراطي الشعبي)، و ذلك تطبيقا للفصل 75 من دستور 1972، و لم يترتب عنهما إسقاط الحكومة، أو سحب الثقة منها، بالنظر إلى عدم التصويت على ملتمس الرقابة بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، و هو ما يعني وفقا للدستور استمرار الحكومة في مهامها أي تجديد الثقة في الحكومة.

وبدوره نص الدستور التونسي في الفصل 97/ الفقرة الثانية، ” ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الاغلبية المطلقة من اعضاء المجلس ( مجلس نواب الشعب) ، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يصادق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين الحكومة”.

لكن، ورغم عدم إسقاط الحكومة عن طريق “ملتمس الرقابة”، إلا أنه يعتبر وسيلة دستورية فعالة، كلما كان بنفس سياسي، لكونه يروم خدمة المصلحة العامة، و تمرين ديموقراطي لأحزاب المعارضة والأغلبية البرلمانية، وإنذار للحكومة من أجل مراجعة أساليب تدبيرها للشأن العام ( )، ولإعادة النظر في السياسات العمومية المتبعة.

وهكذا يترتب عن ممارسة مسطرة “ملتمس الرقابة”، من طرف البرلمان في إطار إثارة مسؤولية الحكومة و محاسبتها سياسيا، إما الإطاحة بالحكومة في حال التصويت على الملتمس بأغلبية أعضاء مجلس النواب، أو عدم الإطاحة بها لعدم ظفر الملتمس بالنصاب الدستوري.

ويتم “تجديد الثقة” في الحكومة عند عدم التصويت على ملتمس الرقابة من طرف الاغلبية المطلقة للاعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وهو الأسلوب الرقابي الذي يماثل إلى حد كبير “طلب منح الثقة للحكومة” الذي يتقدم به رئيس الحكومة إلى مجلس النواب، من أجل اختبار التصويت على مواصلة الحكومة في تحمل مسؤوليتها، وذلك بمنحها الثقة بشأن تصريح يدلي به رئيس الحكومة في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 103 من دستور 2011.

ثانيا: طلب منح الثقة من طرف رئيس الحكومة في النظام الدستوري المغربي:

في النظام الدستوري المغربي، يلاحظ بأن “طلب منح الثقة” مصدره الحكومة، يتقدم به رئيس الحكومة الى مجلس النواب، تطبيقا للفصل 103 من دستور 2011 ، من أجل التصويت على منحها الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.

وهو الأمر الذي نص عليه أيضا الفصل 49 / الفقرة الاولى من دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا، بتأكيده بأنه يمكن للوزير الأول، وبعد التداول في مجلس الوزراء، أن يثير مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية بشأن برنامجها، أو حول تصريح يتعلق بالسياسة العامة، وبذلك نكون أمام مسالة طرح الثقة بمبادرة من الحكومة.

وعلى خلاف الدستور المغربي لسنة 2011 ، والدستور الفرنسي لسنة 1958 ، نص الدستور التونسي لسنة 2014 ، على منح كل من رئيس الجمهورية (الفصل 99 ) ورئيس الحكومة( الفصل 98 ) صلاحية تقديم طلب إلى مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة.

ومن جهة اخرى، وعكس المسطرة المقررة في الدستور الفرنسي، يلاحظ بان الدستور المغربي أغفل في فصله 103 التنصيص على مبدأ التداول في طلب طرح الثقة في المجلس الوزاري أو المجلس الحكومي، مكتفيا بأن المبادرة تعود إلى رئيس الحكومة. وهو نفس المقتضى الذي كان منصوص عليه في الفصل 74 من دستور 1992، و الفصل 75 من دستور 1996.

في حين أن دساتير 1962 و 1970 و 1972 أكدت جميعها بأن طلب منح الثقة يكون موضوع المداولة في المجلس الوزاري قبل تقديمه من طرف الوزير الأول. لكن دستور 2011 ، نص صراحة بأن طلب طرح الثقة يكون بمبادرة من رئيس الحكومة، ولم يتضمن مقتضيات تفيد بأنه يجب أن يكون موضوع مداولة في إطار المجلس الوزاري أو المجلس الحكومي.

1 – المسطرة والإجراءات المؤطرة لطلب منح الثقة للحكومة

إن “طلب منح الثقة” من البرلمان مسطرة دستورية، أسندها المشرع الدستوري إلى رئيس الحكومة، في حين أن “ملتمس الرقابة” مصدره البرلمان، يتعين تقديمه من طرف خمس أعضاء مجلس النواب على الأقل.

ومن أهم النتائج المترتبة عن المسطرتين الدستوريتين، تتمثل في سحب الثقة من الحكومة المؤدي في الحالتين معا إلى استقالتها استقالة جماعية، بعد تحقق التصويت عليهما بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب (الفصلين 103 و 105 من دستور 2011).

ومن جهة ثانية، يتبين من أحكام الفصلين 103 و 105 من دستور 2011، أنها تقضي صراحة بترتيب جزاء إسقاط الحكومة عندما يكتمل النصاب الدستوري، والمتمثل في التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب على “ملتمس الرقابة” أو على “سحب الثقة”.

وهو الشرط الذي نص عليه أيضا المشرع الدستوري الفرنسي والتونسي، بشان ملتمس الرقابة ، ولكي يكون منتجا ومرتبا جزاء الاطاحة بالحكومة، يتعين التصويت عليه من طرف أغلبية الأعضاء الذين تتشكل منهم الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس نواب الشعب التونسي .

فإذا كان “ملتمس الرقابة” و “سحب الثقة من الحكومة”، يتوحدان في النتيجة التي قوامها إسقاط الحكومة و استقالتها استقالة جماعية، فإنهما يختلفان من حيث الإجراءات والمسطرة الدستورية المنظمة لهما، لأن “ملتمس الرقابة” هو وسيلة رقابية مباشرة يتم تحريكها من طرف البرلمان (خمس اعضاء مجلس النواب) لمحاسبة و تقييم أعمال الحكومة، ومن أهمها السياسة العامة ( )، في حين أن طلب “منح أو طرح الثقة” يكون بمبادرة من رئيس الحكومة.

ويتعين وفقا لمقتضيات الدستور (2011) التمييز بين المسطرة التي تحكم “تنصيب الحكومة”، والمسطرة المؤطرة “لسحب الثقة من الحكومة”، في الحالة الأولى (أي تنصيب الحكومة) تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي، وذلك تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 88 من دستور 2011 .

وفي الحالة الثانية يتعلق الأمر بحالة طرح الثقة على مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة، يتوخى منه مواصلة الحكومة تحمل المسؤولية بالتصويت على منحها الثقة من جديد، وهو الإجراء الدستوري الذي يشابه مسطرة التنصيب البرلماني للحكومة بعد تعيينها من طرف الملك.

وبناء عليه، يستخلص من الفصل 88 من دستور 2011، أن التصويت البرلماني (مجلس النواب)، يكون لصالح البرنامج الحكومي، وليس تصويتا على الحكومة، وهو ما يعني بأن “التنصيب البرلماني” للحكومة واكتسابها “الشخصية الدستورية” يكون بالتصويت على برنامجها بصريح الفصل 88 من الدستور، والذي جاء فيه “بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه.

وبعد مناقشة البرنامج الحكومي يعقبه تصويت عليه في مجلس النواب فقط، الذي يجب أن يتم بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، لكي تعتبر الحكومة منصبة دستوريا”.

والملاحظ بأن أحكام الفصل 88 من الدستور تنص على أن تنصيب الحكومة دستوريا، يكون بعد التصويت على البرنامج الحكومي بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، و ليس بالتصويت على الحكومة، وهو ما قد يفسر بأن التعيين الملكي للحكومة (الفصل 47 من الدستور)، غير كاف للقول بتنصيب الحكومة دستوريا بالنظر إلى كون الدستور يقضي صراحة في الفصل 88 بأن الحكومة لا تعتبر منصبة دستوريا إلا بعد التصويت على برنامجها من طرف الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب.

2– محدودية طلب منح الثقة في النظام الدستوري المغربي

خلافا لما كان عليه الوضع في دساتير 1962 و 1970 و 1972 ، والتي كان في ظلها يتوقف تنصيب الحكومة على التعيين الملكي فقط، بدليل أنها نصت جميعها، بأن “الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”، ولم يرد فيها ما يفيد التأكيد على مسطرة التنصيب البرلماني للحكومة كما فعل المشرع الدستوري في الفصل 88 من دستور 2011، وهو ما يعني بأننا أمام حالة التنصيب الأحادي للحكومة الذي يتمثل في التعيين الملكي.

ورغم التعديل الدستوري الحاصل في 1992 و 1996، لم يغير جوهر المسطرة الدستورية المقررة في تعيين وتنصيب الحكومة، بحيث إن الفصل 59 /الفقرة الأولى من دستور 1992 ، والفصل 60 / الفقرة الأولى من دستور 1996، حافظتا على الطابع الأحادي في تنصيب الحكومة من طرف الملك، بتنصيصهما بأن “الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب”، ولم يرد في مقتضياتهما ما يفيد لا ضمنا ولا صراحة على التنصيب المزدوج للحكومة، أي من طرف الملك ومن طرف البرلمان، بالنظر إلى خلو دستوري 1992 و 1996 من مقتضيات تقضي بالتنصيب البرلماني للحكومة، وهذا خلافا لنظرية التنصيب المزدوج التي دافع عنها جانب من الفقه الدستوري، خاصة في إطار دستور 1996، معتبرا بأن الحكومة لا تستكمل وجودها الدستوري إلا بعد التنصيب البرلماني، وهو الشرط المعدوم في دستوري 1992 و 1996، لأن الفقرة الثالثة من الفصل 60 من دستور 1996، نصت على عرض البرنامج الحكومي ومناقشته أمام مجلسي البرلمان ويتلو مناقشته في مجلس النواب تصويت.

ويتبين من المقتضيات الدستورية المذكورة، أنه لم يرد بها ما يفيد صراحة أو ضمنا بوجوب توفر النصاب الدستوري في التصويت البرلماني المنصوص عليه في الفصل 60 /الفقرة الثالثة، بل اقتصر على الإحالة على الفقرتين 2 و 3 من الفصل 75 من دستور 1996. والجدل الفقهي ظل قائما بين مؤيد ومعارض لأطروحة التنصيب الأحادي للحكومة من طرف الملك في ظل دساتير 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996، إلى أن حسم الخلاف دستور 2011 بمقتضى الفصل 88، بتأكيده على إجبارية مسطرة التنصيب البرلماني للحكومة.

وبناء عليه، تعتبر الحكومة منصبة بعد تعيينها من طرف الملك في ظل العمل بدستور 1996، دون حاجة إلى التصويت عليها أو على برنامجها من طرف أغلبية أعضاء مجلس النواب، كما هو مقرر في دستور 2011، بحيث يقضي بوجوب التصويت على برنامجها، الذي يعتبر الأرضية المرجعية لمراقبة الحكومة ومحاسبتها من طرف البرلمان عن طريق تحريك ملتمس الرقابة.

ومن وجهة نظرنا نعتبر بأن تعيين الحكومة من الصلاحيات الحصرية للملك في جميع دساتير المملكة، فإليه يعود أمر تعيينها، وهو ما يعني بأن البرلمان من صلاحياته تنصيب الحكومة، “بالتصويت على برنامجها”، بعد تعيينها من طرف الملك لتصير دستورية وهو من مستجدات دستور 2011 .

إن طلب “نيل الثقة” أو “طرح الثقة”، يكون بناء على طلب من رئيس الحكومة، يوجهه إلى البرلمان قصد مناقشته، والتصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وفي هذه الحالة تستمر الحكومة في عملها. أو أنه قد يتم “سحب الثقة” منها لعدم ظفرها بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، على طلب منح الثقة، مما يترتب على ذلك تقديم الحكومة استقالتها استقالة جماعية، وهو أسلوب آخر يرتب جزاء إسقاط الحكومة يعرف بسحب الثقة في الفقه الدستوري، وهو أمر جد مستبعد في ظل النظام الدستوري المغربي، نظرا لكون الأغلبية الحكومية لن تنزع إلى تفعيل مسطرة “طرح الثقة”، وفي حال تحريكها، فهي تعلم مسبقا ومتأكدة من نيل الثقة مجددا، أمام ضعف المعارضة البرلمانية غير القادرة على تغيير موازين القوى.

وهكذا، فإن الثابت من أحكام الفصل 103 من الدستور أن طلب الثقة من البرلمان، يعتبر إجراء اختياريا وليس إجباريا ( ) قد يلجأ إليه رئيس الحكومة، إذا ما كانت الظرفية السياسية تقتضي ذلك من أجل تعزيز مكانة الحكومة في المشهد السياسي، لأنه يبدو من تاريخ البرلمان المغربي لم يسبق أن تم إسقاط الحكومة عن طريق ملتمس الرقابة رغم ممارسته مرتين في 1964 و 1990، فكيف يمكن تصور إرغامها على تقديم الاستقالة عن طريق “طرح الثقة” بمبادرة من رئيس الحكومة، والذي من المستبعد جدا أن يتحول إلى سحب للثقة من الحكومة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار