واقع الطحطاحة ببركان: بقلم محمد ستي
واقع الطحطاحة ببركان:
بقلم محمد ستي
الطحطاحة بؤرة تعرف حركة دؤوبة منقطعة النظير على مر السنة، تجذب إليها الباعة و الفراشة على الطرقات، طلبا للرزق بكل أنواعه دون مراعاة للآثار الجانبية التي يخلفها على الساكنة المجاورة و على المؤسسة التعليمية، فالفوضوية التي يتموقع بها الفراشة وسط الطريق تخلق ازدحاما مزعجا للمارة من قاطني الحي و غيرهم من التلاميذ و العابرين، فيتحمل الجميع ما يجري في صمت مطبق بحجة عدم قطع الأرزاق، و هو ما جعلهم يصنفون كظاهرة طارئة دالة على أزمة لها أبعاد متفرعة الجوانب يصعب إيجاد حلول بديلة لها، رغم بعض المحاولات لقطع دابرها من طرف السلطة، إلا أنها تتفرخ و تتناسل أكثر عند كل فرصة سانحة، فتصبح أكثر عشوائية و تأثيرا على المحيطين بها، فتتعدد أسبابها عند حلول كل مناسبة، فيكون لأصحاب الدكاكين باع في تكريسها، عندما يفترشون سلعهم وسط الطريق متجاوزين المساحة المسموح بها أمام مكان معروضاتهم، فيصبحون مساهمين إلى جانب الباعة المتجولين في خلق الازدحام الذي يصعب على الراجلين اختراقه، أما في حالة الطوارئ المرضية فإنه يستحيل معها الاستنجاد بسيارة الاسعاف، و هو ما تسبب في إزهاق أرواح كانت تستدعي الاستعجال لإنقاذها، و هو سبب كاف لتحرير شارع الطحطاحة، حفاظا على النظام العام للحي و قاطنيه، و تمكينهم من الاستفادة من الخدمات الصحية و غيرها دون معيقات، ناهيك عن انعدام شروط الراحة مما يضطرون معها إلى الاستكانة للضوضاء و الجلبة التي يحدثها الباعة و هم يعرضون بضائعهم دون القيام بأي رد فعل أمام كثرة عددهم، و هو ما أعجز السلطة أيضا عن إجلائهم رغم محاولاتها المتكررة التي باءت بالفشل، بسبب عدم الاستمرار في حملاتها بشكل منتظم، و تلمس الأعذار و خلق استثناءات مرتبطة بالمناسبات الدينية و غيرها كموقف إنساني يسمح لهم بالعودة لاحتلال الملك العام و توطينهم مرة أخرى وسط الشارع لتبدأ المأساة من جديد، و هو ما يفسر العجز الذريع عن إيجاد حلول بديلة تنهي الوضع المختل الذي تسبب فيه الفراشة، و الذي يستدعي الوقوف عنده بتمعن و إيجابية دون اللجوء إلى بدائل ترقيعية قد تستزيد من تكريسه، خاصة عند ممارسة سياسة غض الطرف أثناء مناسبات معينة خلال السنة، مما يفاقمه أكثر فيصعب تطويقه و معالجته.
واقع الطحطاحة و ما يجري فيه من مظاهر البيع و الشراء بطرق عشوائية، ليكشف بجلاء عن تقصير في هيكلة هذا القطاع و تقنينه، للحفاظ على جمالية المدينة و أمن ساكنتها بتوفير سبل الراحة، دون سلب حق الفراشة كمواطنين في العمل و العيش الكريم، و هي معادلة تبدو معقدة إذا ما تم التعامل معها بسطحية، من خلال انتهاج سياسة المطاردة اليومية التي لن تسفر عن نتائج مجدية و لن تغير من واقع الحال إلا أن تزيده تفاقما أكثر مما هو عليه، و هو مايقتضي البحث عن حلول تنهي الأزمة و تقتلعها من جذورها، وذلك بخلق فرص شغل بديلة من خلال جلب الاستثمارات و البحث عن أفكار مشاريع مدروسة في مجالات متنوعة، تمتاز بقلة تكاليف التأسيس و سهولة التنفيذ و لا تحتاج إلى مؤهلات علمية، فهي مشاريع تمتص البطالة و تنعش الاقتصاد المحلي باستخلاص الضرائب التي قد تثري المدينة، و في المقابل ينبغي تشجيع أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في القطب الفلاحي، ببناء مصانع تستغل المنتوج المحلي من الليمون وتحوله إلى عصائر متنوعة، ليتم بذلك خلق الكثير من مناصب الشغل التي قد تقلص بشكل كبير من البطالة و من عدد الفراشة بالشوارع العمومية، أما الأسواق التي تم بناؤها على مدار المدينة “مرزوقة و باكورة” لتقنين العمل التجاري فلم تلقى استحسانا لدى أصحابها، فأغلب المستفيدين منها قد أغلقوا دكاكينهم لقلة الرواج و تراجع العائدات و الأرباح، مما عمق الأزمة أكثر بنزوحهم مرة أخرى إلى الطحطاحة و المارشي سابقا، لتبدأ عملية المطاردة من جديد.
واقع الحال بالطحطاحة يربك العمل التربوي و التعليمي بمدرسة الإمام علي، من خلال تعالي الأصوات التي تصل بحدة إلى داخل الفصول الدراسية، لتستفز عقول المتعلمين بما تحمله من ألفاظ نابية و مخدشة للحياء، و أخرى فيها من العدوانية ما قد تخلف أثرا سلبيا على سلوكات الأطفال الذين يحتاجون إلى أجواء ملائمة تربويا و مشجعة على التحصيل، بدل أجواء البيع و الشراء التي تبعثر تركيزهم و تشتت أذهانهم، فتضيع عليهم فرصة الاستفادة و الانتهال مما يقدم لهم، و الأدهى من ذلك أن يتم تطويق جنبات المدرسة بأكشاك حرمت المتعلمين من مكان ينتظرون فيه ساعة الدخول، فصاروا يتوزعون على الطرقات دون حماية لأرواحهم، أما أثناء الخروج مساء فالوضع كارثي لا يمكن وصفه في بضع كلمات، لما تعرفه البوابة من ازدحام الدراجات الثلاثية الدفع، و حركة المشترين، مما يعرقل عملية مغادرة براعم الدراسة، دون أن يتدخل طرف من الأطراف المعنية لتمرير أجواء الخروج بما يضمن سلامتهم، أما الأوساخ فصارت تتكوم عند باب المؤسسة دون مراعاة لحرمتها، و لم تجد لها سندا يحميها و يدافع عنها، فهي الآن تستغيث و لا أحد سمع أنينها لتخلي الجميع عنها لأسباب أو لأخرى، تدفعنا بإلحاح إلى طرح أكثر من سؤال محير دون أن نقف له على أجوبة مقنعة و مستساغة، فمن رخص للأكشاك؟ و من سمح بعودة الفراشة و الباعة المتجولين إلى الطحطاحة؟ هل سيبقى الحال على ماهو عليه دون حلول جذرية معقولة، أم سيكون في فتح المارشي الجديد استبعاد للفوضى و عودة الحياة للطحطاحة؟
و إذ ندعو كل مسؤول له غيرة على المدينة التدخل لإرجاع الاستقرار لساكنة الطحطاحة، بما يوفر لهم الأمن و الراحة، و النظافة لشوارعهم، و ظروف التحصيل الجيد لأبنائهم، بالبحث عن حلول ترضي جميع الأطراف بلا ضرر و لا ضرار.
محمد ستي
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار