السلطة الرابعة

شهادة في حق الفقيد محمد لقاح بقلم الرفيق حسين لحدودي

شهادة في حق الفقيد محمد لقاح

يعتبر الفقيد محمد لقاح مناضلا يساريا وحدويا وفيا لقيم ومبادئ اليسار و نموذجا للمناضل النزيه والمتخلق والصادق في مختلف المجالات ، السياسية ، النقابية والحقوقية والذي كان نجمة الليل التي ترشد من تاه عن الطريق بأفكاره ونصائحه وتوجيهاته ، وتعتبرهذه الكلمة شهادة في حق الفقيد كمساهمة متواضعة اعترافا بما قدمه الفقيد من نضالات وتضحيات طيلة مساره النضالي الطويل ومن أجل نقل تجربته إلى الأجيال القادمة حتى تعرف بأن على هذه الأرض عاش الفقيد المناضل محمد لقاح المتميز بأخلاقه وحياته النضالية المليئة بالمحطات المضيئة سواء في المجال الجماهيري اوالعمل المؤسساتي وكذا المهني وهو الذي انخرط في جميع المحطات النضالية ، عاش القمع والاعتقال ، بسبب أفكاره ومواقفه. ان افتقادك فجأة لشخص تقاسمت معه لحظات نضالية بايجابياتها وسلبياتها ، يجعلك تتذكره في كل الأوقات ويبقى حاضراً في ذهنك دائماً رغم غيابه جسديا ، وأول شيء يخطر في بال من يفجع بموت أحد أقاربه أو أصدقائه أو رفاقه هو الذكريات التي جمعتهما، التي يحاول أن يتذكر تفاصيلها.
وطبيعة الأيام التي جمعتني بالفقيد جعلتني استرجع بعض الذكرياتٍ و استحضر بعض المحطات النضالية والتي تعتبر جزء صغير من مسار مناضل حافل بالعطاء والتضحيات ونكران الذات تعلم منه كل من عاشره ليس فقط في المجال السياسي أو النقابي أو الحقوقي ولكن أيضا في المجال الحياتي .
تعرفت على الفقيد في بداية التسعينات من القرن الماضي ، في الساحة النضالية وعبر الأنشطة والمحطات النضالية التي كانت تنظمها الإطارات السياسية الديمقراطية التقدمية والنقابية والحقوقية ، حيث كان حاضرا ومساهما في جل المعارك النضالية واللقاءات التنسيقية و كان حضوره يضفي حيوية على اللقاءات بسبب حسن تواصله وتفاؤله وحنكته في الاقناع وتجاوز الخلافات ، بحيث كان ينهي غالبا مداخلاته بالعبارة التالية ” حيا على الفلاح” بمعنى الانتقال الى التنفيذ وانزال القرارات على ارض الواقع ، كما ساهم الفقيد بشكل كبير في الدينامية النضالية التي كانت تعرفها الساحة الجماهيرية محليا والتي اشتغلت على عدة قضايا وملفات ، محلية ، وطنية أو قومية كالقضية الفلسطينية .
أما الفترة التي عشت فيها عن قرب من الفقيد ولمدة ست سنوات ، فتتعلق بتدبير الشأن المحلي في جماعة بركان ( 2009 ـ 2015 ) حيث كنا نمثل لائحة تحالف اليسار الديمقراطي ( الفقيد عن الحزب الاشتراكي الموحد ، حسين لحدودي عن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ،الرفيق احمد لعتيكي عن حزب المؤتمر الوطني الاتحادي )، و قد كانت الولاية الثانية بالنسبة للفقيد في تدبير الشأن المحلي ، وفي هذه الفترة التي كنت شاهدا عليها، بصم الفقيد اسمه بمداد من ذهب بما قدمه من خدمات وتحمله لمهامه بكل مسؤولية وروح تطوعية مليئة بالتضحيات ونكران الذات ، وكان الفقيد متميزا وجريئا في طرح الملفات ولا يخشى من ذلك لومة لائم حيث عرف بجرأته وشجاعته في طرح بعض القضايا ولم تكن تحكمه في ذلك إلا المصلحة العامة بكل موضوعية وشفافية ، عاش بسيطا ومات بسيطا بعيدا عن الأضواء ، لم يكن يفرق بين المواطنين بسبب انتماءاتهم أو أصلهم أو علاقتهم ، كما كانت له علاقة متميزة مع كل الفرقاء ويحترم رأي الجميع بما في ذلك الخصوم السياسيين ، سلس في نقاشه وطرح أفكاره وحتى دفاعه عن رأيه فيه تواضع كبير، ولا يحس الطرف المخاطب بأنه خصم له بل شريكا في خدمة الصالح العام ، إلا أنه كان عنيدا وصلبا في محاربة الفساد ونهب المال العام و الدفاع عن الكادحين والفقراء والتصدي للظلم والحكرة وفرض احترام الحقوق والحريات ، حيث خضنا معا كمجلس جماعي لمدينة بركان معركة فضح تفويت إحدى البقع الأرضية في ملكية الدولة بجماعة سيدي سليمان شراعة (الاحتياط الاستراتيجي) إلى أحد الخواص من خلال عدة معارك ونضالات ومقررات جماعية (كانت سابقة وفريدة من نوعها في تاريخ الجماعة الحضرية بركان وحتى على الصعيد الوطني ) : عقد دورة المجلس بحمل الشارات الحمراء ، عقد ندوة صحفية حول الملف ، تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر عمالة بركان تم فيها التنديد بتدخل عامل الإقليم في مهام المجلس وكذا المطالبة بوقف التفويت المشبوه ومساءلة ومحاسبة كل المتورطين في الملف كما تم حمل شعار “ارحل” لعامل الإقليم السابق ، وقد لعب الفقيد محمد لقاح دورا بارزا وكبيرا في هذه المعارك حيث ألقى كلمة ختامية مرتجلة في الوقفة الاحتجاجية جسدت مواقفه الشجاعة والجريئة من عدة قضايا (الفساد ، نهب المال العام ، الشطط في استعمال السلطة …)
وفي واقعة أخرى ، أعطى الفقيد درسا للعامل السابق في احترام الوقت والمواعيد حيث نهض محتجا على تأخر العامل في إحدى الاجتماعات بمقر عمالة بركان وقال بالحرف وبجرأته المعهودة :” يجب عليك احترام الوقت وعدم الاستخفاف والاستهتار بالحاضرين ولا يحق لك أن تأتي متأخرا الى الاجتماع ، دون حتى تقديم اعتذار ، وانت الذي حددت موعده ” وانسحب الفقيد بعد ذلك من الاجتماع احتجاجا على سلوكات عامل الإقليم .
إنه الفقيد محمد لقاح فقيد الساحة السياسية والاسرة اليسارية التقدمية كما عرفته عن قرب من خلال جزء بسيط وقصير جدا من حياته النضالية المليئة بالتضحيات والنضالات طيلة مساره النضالي الطويل و الممتد لاكثر من 40 سنة ..

ستظل صورتك الأخيرة وجسدك الملفوفً بثوب أبيض، وابتسامة وجهك التي لم تغب عنك حتى في هذه اللحظات راسخة في أذهاننا مهما طال الزمن وستبقى نبراسا أيها الفقيد ، يضيء طريق رفاقك نحو مجتمع الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية الذي ناضلت وضحيت من اجله حتى آخر يوم من حياتك .

رفيق دربك : حسين لحدودي

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار