عائشة تبارين باحثة في سلك الماستر ماستر التوثيق والمنازعات العقارية بعين السبع
تسعى الأنظمة القانونية في إطار تكريس دولة القانون إلى الرقي بقطاع العدالة وعصرتنه، سواء من الناحية التشريعية والتنظيمية التي تضمن فعاليته وتحقيقه للمهام الرئيسية المنوطة به باعتباره حامي للحقوق والحريات الفردية والعامة، أو من الناحية الخدماتية كونه مرفقا عاما يقدم خدمات عمومية للمواطنين، والمؤسسات العامة والخاصة، وفي هذا الإطار فان إصلاح العدالة وعصرنتها لا يمكن فصلهما عن بعضهما وهما متلازمان تلازما واقعيا، يفرض على أي نظام قانوني استعمال وسائل وتقنيات معاصرة وحديثة لتحسين أداء أجهزة العدالة في إطار تعاملاتها الداخلية داخل القطاع الواحد من جهة، وتسهيل الاستفادة من خدماتها وتعاملاتها مع المواطنين والقطاعات الأخرى من جهة ثانية.
ومن بين التطبيقات الحديثة التي اعتمدتها العدالة في إطار تطوير منظومتها القضائية تقنية استعمال المحادثات المرئية في الجهاز القضائي وكانت أول تجربة لها سنة 2016 ولكن لم يتم تفعيلها على نطاق واسع، إلا انه بسبب ظهور جائحة كورونا (covid-19)وفرض الحجر الصحي في ربوع المملكة هذه الأخيرة جعلت وزارة العدل تعيد طرح الموضوع مرة أخرى، من اجل الرفع من النجاعة القضائية ولضمان محاكمة عادلة خصوصا في الوقت الراهن وما يعرفه بلدنا من تغيرات في كل القطاعات لهذا تم الاعتماد على المحاكم الرقمية كسبيل من سبل التقاضي عن بعد وتسهيل الولوج إلى القضاء وتبسيط الإجراءات والمساطر القانونية للتقليل من انتقال العدوى داخل أسوار المحاكم وخارجها.
لكن الشروع في تفعيل خدمة المحاكمة عن بعد في قانون المسطرة الجنائية سيؤدي إلى طرح العديد من الإشكالات.
فعندما نتحدث عن المساطر الجنائية، هنا يفرض علينا الحديث عن إجراءات مسطرية مع العلم أن قانون المسطرة الجنائية له ارتباط وثيق بحقوق وحريات الأفراد، لان قانون المسطرة يتحدث عن الحضور الشخصي للمتهم أمام المحكمة سواء كانت القضية جاهزة للحكم أم غير جاهزة لذلك.
وهذا ما نصت عليه المادة 311 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها: “يحضر المتهمون شخصيا…”
وكذلك المادة 312 من نفس القانون الذي أشار الى انه : “يتعين على كل متهم ان يحضر في الجلسة..”
فبلادنا في الوقت الحالي تمر من حال عصيب واستثنائي يحتاج إلى وضع حلول بديلة لتجاوز الفترة الراهنة، لذلك وضعت وزارة العدل والسلطات القضائية تقنية “المحاكمة عن بعد” وهذا كله من اجل ضمان محاكمة عادلة، والحفاظ على حياة المعتقلين، وأطراف المحاكمة، والهيئة الحاكمة، والدفاع في ظل جائحة كورونا (covid-19).
فالمحاكمة عن بعد، مزاياها كثيرة خصوصا في هذه الظروف التي تعيشها بلادنا، إلا انه يجب على الحكومة المغربية أن تصدر إما مرسوما، أو مقررا إداريا، أو تنظيميا، أو بلاغ، تقرر فيه اعتماد المحاكمة عن بعد، طبقا للمادة 3 من مرسوم قانون 292 والذي يعطي لها الحق وحدها في إصدارها واعتمادها “للمحاكمة عن بعد” حتى ولو كانت مخالفة للقوانين الجاري بها العمل.
إما اعتماد هذه التقنية دون صدور أي مقرر حكومي ستجعل هذه المحاكمات محل طعون من طرف من تمت محاكمتهم.
وهو ما قد يجعل المحاكمات التي جرت بدون غطاء قانوني حكومي محل انتقاد.
نحن مع المحاكمة عن بعد وخصوصا في هذه الظرفية التي تمر منها بلادنا الآن لكن من الأفضل أن يصدر الشكل القانوني المحدد لاعتمادها من طرف الحكومة.
فطبعا نحن مع مبدأ تحديث المحاكم، وإصلاح العدالة وعصرتنها، وإدخال تقنية المحادثات المرئية خصوصا في هذه الظروف الوبائية لتجاوز مشكل انتقال العدوى إلى بعض السجون المغربية لذلك كان من الضروري توقيف تنقل السجناء من السجن إلى المحاكم لاجتناب تعرض حياتهم للخطر ولكن كل هذا يجب أن يكون عن طريق إطار قانوني بمقاربة تشاركية كافية.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار