أنتم حلال عليكم و نحن حرام علينا : التخصصات العلمية بين المتاهات و التوزيع غير المتكافئ للفرص .

أشرف ليمام
يعيش طلبة الجامعات والمعاهد العليا في المغرب تحديات كبيرة فيما يتعلق بفرص الولوج إلى مدارس عليا متخصصة، لاسيما تلك التي تُعتبر بوابة لسوق الشغل وفرص العمل المرموقة. ومن بين هذه التحديات، نجد التناقض الصارخ في معايير القبول بين مختلف الشعب والتخصصات، حيث يُفتح المجال لطلبة العلوم الفيزيائية، وطلبة علوم الحياة والأرض، وطلبة العلوم الرياضية، لولوج المدارس العليا المختصة في المجالات الاقتصادية والتدبير المحاسباتي مثل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG)، بينما تُغلق أبواب التخصصات الهندسية أمام طلبة شعبة العلوم الاقتصادية والتدبير المحاسباتي حتى مع حصولهم على دبلوم تقني متخصص من معاهد التكوين المهني الخاص.
سياسة التوجيه الأكاديمي: تناقض الفرص بين التخصصات العلمية والاقتصادية
في ضوء هذا الواقع، يطرح سؤال جوهري: كيف يمكن تبرير السماح لطلبة الشعب العلمية بدخول مجالات الاقتصاد والتسيير، بينما يُحرم طلبة العلوم الاقتصادية والتدبير المحاسباتي من ولوج تخصصات الهندسة؟ هذا التفاوت يبرز بوضوح معايير غير متكافئة تعتمدها المؤسسات التعليمية، وهي معايير قد لا تعكس بالضرورة القدرات أو المؤهلات الأكاديمية للطلبة، بل تميل إلى وضع قيود تنظيمية قد تكون مجحفة في حق البعض.
فطلبة شعبة العلوم الفيزيائية، وعلوم الحياة والأرض، والعلوم الرياضية، يتمتعون بإمكانية التحويل بسهولة نحو تخصصات الاقتصاد والتدبير المحاسباتي. وبرغم عدم ارتباط هذه التخصصات بطبيعتها الدراسية الدقيقة بالاقتصاد أو المحاسبة، إلا أن لهم الأسبقية في الولوج إلى المدارس العليا للتجارة والتسيير. في المقابل، يظل طلبة شعبة العلوم الاقتصادية، الذين درسوا مواد ذات صلة وثيقة بمجالات التدبير، محصورين في تخصصاتهم، رغم أن تكوينهم يشمل جوانب هامة من الاقتصاد والمحاسبة.
دبلوم التكوين المهني: جسر نحو السوق أم عائق أمام الهندسة؟
من جهة أخرى، نجد أن طلبة التكوين المهني الخاص، الذين يحصلون على دبلوم تقني متخصص، يعانون أيضًا من إقصاء ظالم من فرص ولوج تخصصات الهندسة. فرغم التكوين التقني الذي يتلقونه والذي يؤهلهم للاندماج في سوق الشغل بكفاءة، إلا أن الأنظمة التعليمية لا تمنحهم الفرصة لاستكمال دراستهم في مجالات الهندسة أو الولوج إلى المدارس العليا التقنية.
هذا التوجه في التوجيه الأكاديمي يشكل عقبة أمام تطلعات هؤلاء الطلبة، إذ يتم تحديد مساراتهم التعليمية بشكل مسبق، دون أن يُتاح لهم فرصة اكتشاف قدراتهم أو الرغبة في تطوير مهاراتهم في مجالات أخرى. فدبلوم التقني المتخصص، الذي يُفترض أن يكون جسرًا نحو آفاق مهنية أفضل، يُستخدم في بعض الأحيان كعائق أمام تحقيق طموحات تعليمية أوسع.
الحاجة إلى إصلاحات هيكلية وعادلة في منظومة التوجيه التعليمي
إن هذا التفاوت الواضح في توزيع الفرص بين الشعب المختلفة يستدعي التفكير في إعادة هيكلة نظام التوجيه الأكاديمي في المغرب. فمن غير المنطقي أن يُسمح لطلبة الشعب العلمية بالتحول إلى التخصصات الاقتصادية والتسيير، بينما يتم إغلاق الأبواب أمام طلبة الشعب الاقتصادية للوصول إلى تخصصات الهندسة، على الرغم من تقارب المستويات الدراسية في العديد من المواد الأساسية.
ينبغي أن يتم مراجعة هذه السياسات لتصبح أكثر عدالة وشمولية، بحيث تعكس المؤهلات الحقيقية للطلبة، وتتيح لهم فرصة اختيار التخصصات بناءً على رغباتهم وكفاءاتهم وليس بناءً على تخصصاتهم الأولية فقط. كما ينبغي إعادة النظر في مكانة دبلومات التكوين المهني، وضمان منح الحاصلين عليها فرصًا عادلة لاستكمال دراستهم في تخصصات متقدمة.
الخاتمة: نحو منظومة تعليمية متكاملة وعادلة
تظل إشكالية التوجيه الأكاديمي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الطلبة في المغرب. ولتحقيق العدالة في توزيع الفرص، ينبغي إحداث إصلاحات جذرية في النظام التعليمي، تأخذ بعين الاعتبار التنوع في مؤهلات الطلبة وتطلعاتهم. إن تحقيق التكافؤ بين التخصصات وفتح الأبواب أمام الجميع للوصول إلى أهدافهم التعليمية والمهنية سيعزز من قدرات الأجيال القادمة على المنافسة في سوق العمل، ويسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وتوازنًا.
اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار