مجتمع

منصّة القدس: رؤية جديدة بقلم: محمد بلعيش

ربّما كان الطّموح كبيرا، لكنّ غالبا ما يكون الواقع عنيدا. الّذين خطّطوا كي تصبح منصّة القدس حاضنة للتّجار والتّعاونيّات، فاتهم أن يدقّقوا في السّلوك الاستهلاكي للمواطن البركاني. ففي مدينة يأكلها الملل وأرصفة المقاهي، قد يصبح شراء البطاطا، أو قطعة من القماش في حدّ ذاته تنزّها. فاتهم أن يستفيدوا من التّجارب السّابقة، ويستوعبوا أنّه من دون استحضار الجانب الاجتماعي والاقتصادي للباعة المتجوّلين، لن تنجح مشاريع أسواق القرب. ليس معقولا أن يقطع مواطن مسافة كبيرة لسوق “نموذجي”، وهو يجد ما يحتاجه أمام باب المسجد، وبثمن مناسب جدّا! لقد صرنا اليوم أمام منشأة كلّفت الكثير، ولا يستفيد منها أحد سوى الأشباح.

إنّها لمفارقة عجحيبة أن تنعم المدينة بموقع استراتيجي رهيب، وتغرق في واقع اقتصادي كئيب. غريب أن تصل اسم المدينة إلى العالميّة ـ من خلال كرة القدم ـ دون أن ينعكس ذلك على وضعها الاقتصادي والمعماري. صحيح أنّنا لم نأخذ حصّتنا من المشاريع الاستراتيجيّة للدّولة كما يجب، لكنّ هذا ليس مبرّرا لأن نغرق في الرّكود والانتظاريّة. في حين أنّ المدن المجاورة، تسير بثبات نحو مستقبل أفضل. فمدينة النّاظور تنتظر ميناء غرب المتوسّط، ولديها مطارا، فيما جاري الرّبط بينها وبين تاوريرت بالسّكة الحديديّة. كما أنّ مدينة وجدة بالإضافة إلى المطار ومحطّة القطار، هناك المستشفى الجامعي، والجامعة والمعاهد والمدارس الوطنيّة إلخ. دون أن ننسى أنّها كمنطقة حدوديّة، عاجلا أم آجلا ستستعيد وهجها الاقتصادي أفضل ممّا كانت عليه بمراحل. هذه الحركيّة الّتي تعرفها المدن المجاورة ـ وهي في صالح الجهة ككلّ بطبيعة الحال ـ يقابلها ركود غير مفهوم في مدينة بركان. فالمدينة الفلاحيّة صارت من دون فلاحة بعدما حوصر الفلّاحون الصّغار، وصرنا ننتظر الخضروات من غرب المملكة. لقد باتت المدينة ككلّ معزولة اقتصاديّا، ولا تنتعش بها الحركة الاقتصاديّة إلّا خلال عطلة الصّيفيّة.
كيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟ وبناء استراتيجيّة يتكامل فيها محور وجدة، بركان، الناظور دون أن يتنافس؟ وما علاقة كلّ ما سبق بمنصّة القدس؟
أعتقد بأنّه حان الوقت بأن نفكّر بشكل جماعي خارج الصّندوق، للخروج من هذا المأزق الاقتصادي، وكذا مجاراة الرّكب، حتّى لا نصبح مدينة هامشيّة أكثر ممّا نحن عليه الآن. لهذا أقترح أن نجعل من مدينة بركان قطبا جهويّا لتنظيم المعارض الدّوليّة والفعّاليّات في مختلف المجالات. وهذا ما ينقص جهة الشّرق ككلّ. وبدل أن تظلّ منصّة القدس مهملة، لماذا لا يتمّ تحويلها إلى مركز لتنظيم المعارض والفعاليّات الدّوليّة؟ خصوصا أنّ تصميمها وموقها يسمحان بذلك.
المهتمّون بالمجال يدركون بكلّ تأكيد، تأثير هذا النّوع من التّوجّهات على المدن إن كان على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو حتّى الثّقافي. وفيما يلي بعض ذلك:
1- تقويّة الاقتصاد المحلّي:
تجلب المعارض الدّوليّة التّجاريّة أو المتخصّصة رجال وسيّدات الأعمال من كلّ أنحاء العالم. ممّا يساهم في خلق حركة اقتصاديّة مهمّة (خدمات النقل والمواصلات، زيّادة ليالي المبيت في الفنادق، حركيّة في المطاعم والمقاهي، التّوافد على الأماكن السّيّاحيّة إلخ).
2- تطوير مناخ الأعمال المحلّي:
إنّ احتكاك الفاعل الاقتصادي المحلّي مع نظرائه من رجال الأعمال سواء على المستوى الوطني أو الدّولي، يجعله أكثر استيعابا لمناخ الأعمال والفرص الّتي يوفّرها إمّا من خلال بناء شراكات رابح-رابح، أو من خلال تنافسيّة مبنيّة على معطيّات ملموسة.
3- إنعاش سوق الشّغل:
تساهم المعارض والفعاليّات في خلق مناصب شغل إمّا موسميّة أو دائمة: الضّيّافة، التّرجمة، اللّوجيستيك إلخ.
4- التشجيع على الابتكار:
كلّما كانت المقاولات النّاشئة على احتكاك دائم بتطوّرات السّوق الدّوليّة ومستجدّاتها، كانت لديها قدرة أكبر على الابتكار، والتّعاون، وتبادل الأفكار. والعكس صحيح.
5- جلب الاستثمارات:
المعارض الدّوليّة النّاجحة، تدفع خطوط الطّيران إلى الرّبط المباشر مع المطارات الأقرب إلى مكان تنظيمها، وسلسلة فنادق إلى المسارعة في إلى أخذ حصّتها من السّوق، بالإضافة إلى النّقل والخدمات.
6- تطوير البنيّة التّحتيّة للمدينة:
هذا النّوع من المشاريع، يدفع الفاعل المحلّي إلى تطوير البنيّة التّحتيّة للمدينة لتستوعب التّحوّلات بشكل أكثر فاعليّة.
7- تطوير البنيّة الذّهنيّة للمواطن:
مبدئيّا فالمواطن الّذي يحتكّ بالأجانب في حياته اليوميّة، يصبح أكثر انفتاحا واهتماما بصورة المدينة ككلّ عند الآخر. وهذا قد يلاحظ في كلّ المدن الّتي يتردّد عليها السّيّاح بشكل متواصل على مدار السّنة.
أعتقد بأنّه لدينا فرصة كبيرة لخلق ديناميّة جديدة بالمدينة، والاستفادة من أخطاء الماضي، شريطة أن تغلب المصلة العامّة، ويتم الابتعاد عن أيّ نوع من المزايدات كيفما كان نوعها. وأأكّد أنّه إذا ما تظافرت الجهود، فإنّ واقعا إقتصاديّا جديدا بمدينة بركان ممكن جدّا، وتكامل اقتصادي بين محور وجدة، بركان، النّاظور واعد جدّا. فهل من مجيب؟
أرض اللّه الواسعة في: 15 أغسطس 2024

#حديث_الخميس
#mohamed_belaich
#يسكنني_الوطن_رغم_المسافات

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار