السلطة الرابعة

لنعد للسياسة…بقلم: محتات الرقاص

حال الأداء الحكومي عندنا، وما يشتكي منه الناس بشأن ظروف عيشهم اليومية وتنامي الغلاء، وتنامي الإحساس الشعبي بالقلق والخوف من المستقبل، ثم واقع الخطاب والفعل السياسيين ببلادنا، وأيضا وضعية الصحافة والإعلام، وكذلك ملفات الفساد والمحاكمات التي طفت على السطح في الفترة الأخيرة، كل هذا يطرح أمامنا حال السياسة عندنا، وتدني الفعل السياسي والحزبي والإنتخابي.إن واقع شعبنا وما يحيط ببلادنا من تحديات داخلية وإقليمية ودولية، يطرح أمامنا رهان السياسة.الدولة الحديثة لا تتقدم فقط بالإقتصاد والرأسمال والثروة المادية، ولكن هذا نفسه لا يتحقق من دون نخب سياسية وقوى منظمة ذات مصداقية، وهي التي من المفروض أن تخوض التحديات التنموية والتدبيرية بجد وكفاءة ووعي وبعد نظر.وهذه الدولة الحديثة أيضا لا تنجح سوى بتوفرها على مؤسسات قوية ومتينة وفاعلة، وتمتلك الكفاءة والقدرة على الإسهام في تطوير البلاد والسير بها إلى الأمام.اليوم، وبرغم شعارات الأغلبية الحالية عن”حكومة الكفاءات”، وبرغم ما أفضت إليه الإنتخابات الماضية من أغلبية جد واسعة في غرفتي البرلمان، وفي مجالس الجهات والأقاليم والجماعات المحلية والغرف المهنية، فكل هذا لم يساهم في فاعلية التدبير الحكومي أو تحسين أوضاع البلاد والعباد، وإنما الكثيرون عمتهم الخيبة وأصابهم اليأس، وبرزت الإنتقادات حتى من حوالي تحالف الأغلبية في أكثر من محطة، وتناسلت الأخطاء والسقطات، وبرز سؤال جوهري أمام الجميع: ما المشكلة إذن؟ وما الحل؟المشكلة، في أحد تجلياتها الأساسية، أن قوى معروفة تعاطت مع الإستحقاقات الإنتخابية ومع السياسة ومع الديموقراطية بخلفية الإستفراد بالقرار والسلطة، والهيمنة المطلقة، وإفراغ المؤسسات من ديناميتها التعددية، ومن قدرتها على النقد، ومن ثم إضعاف منظومة المراقبة والمحاسبة، وتحويلها كلها إلى غرف تسجيل، وإلى هياكل متفرجة على الإنفراد الحكومي.وتبعا لما سبق، تحولت الإنتخابات والممارسة الحزبية إلى واجهات تسلق ذاتي، ومعابر للإنتهازية و… الخواء، وسقطت السياسة عندنا إلى الدرك الأسفل.ليس الأمر نتاج صدف أو جاهزية فردية، ولكن الأمر يتعلق بتراكم ممارسات، وفرض آليات وسلوكات هي التي أفضت في النهاية إلى ما نحن عليه اليوم.عندما نتابع ملفات فساد فاضحة يتكلم عنها الجميع اليوم، وعندما نتابع ما تحياه جماعات محلية كبرى مثل الرباط والدار البيضاء على سبيل القياس فقط، وعندما نتابع ما تعانيه بعض القطاعات من مآزق، وعندما نستعرض عددا من الأخطاء السياسية البدائية التي وقعت فيها الحكومة الحالية، أو على الأقل بعض وزرائها، وعندما نرى عجز الحكومة عن التواصل مع الرأي العام الوطني أو إقناعه أو التفاعل مع انتظاراته وأسئلته، أليس كل هذا نتيجة التبخيس الذي مورس على السياسة، ونتيجة ابتذال العمل الحزبي والإنتخابي والنقابي، ونتيجة إضعاف الإعلام الوطني الجاد والتعددي؟كيف نريد الإرتقاء بممارسة السياسة عندنا من دون احترام مصداقية ممارسيها واستقلاليتهم، ومن دون حرص على التعددية والإنفتاح، وعلى الحوار بين الحكومة والمعارضة، وعلى النهوض بدور البرلمان واحترامه، ومن دون احترام استقلالية الصحافة وتعدديتها ومصداقيتها؟؟؟؟اليوم، يدرك الكثيرون دقة المرحلة التي بلغتها أوضاعنا، وحجم التحديات التي تلف بلادنا وتطرح أمامها، وهناك من يعي حجم الخطورة حتى من داخل الأوساط المؤيدة للحكومة الحالية وأغلبيتها الواسعة جدا، ولهذا يجب على الجميع التمعن في الوقائع والمخاطر، وفي تحديات الطريق الى المستقبل.المغرب في حاجة اليوم إلى رد الإعتبار للسياسة، وللعمل الحزبي والنقابي وللإعلام، ولدولة المؤسسات، ولأحكام دولة القانون في السياسة والإقتصاد والتدبير، وفي كل مناحي الحياة والعلاقات داخل المجتمع.طيلة السنوات الأخيرة لم تنفعنا التدخلات الهيمنية الشخصية لبعض المسؤولين، وإمعانهم في”التغول”بقطاعات محددة، ولم ينفعنا السعار الإنتخابي الذي نجمت عنه هذه التحالفات غير المجدية اليوم، وطنيا وجهويا ومحليا، ولم ينفعنا عناد الحكومة الحالية واستفرادها بكل شيء، وخوضها في كل قرار اعتمادا فقط على أصوات أغلبيتها العددية في البرلمان، ولم تستفد البلاد شيئا من أسلوب”اختراق”بعض القطاعات الحيوية للديموقراطية وإضعاف منظماتها المهنية والتمثيلية، وليس أمامنا كلنا اليوم إلا الإلتفاف على مستقبل بلادنا، والحرص على تثبيت المعنى في كل الأشياء ذات الصلة.بلادنا في حاجة إلى نخب سياسية نقدية وذات خبرة ومعرفة ومصداقية.بلادنا في حاجة إلى احترام أحزابها الحقيقية، وتقدير أدوارها، وترسيخ التعددية والإنفتاح في البلاد.بلادنا في حاجة إلى جعل البرلمان حاضنا لكل الإنشغالات المجتمعية، وللحوار السياسي التعددي والرصين.بلادنا في حاجة إلى احترام قوانينها وتطبيق مقتضيات الدستور وتطوير أسس دولة المؤسسات.بلادنا في حاجة إلى صحافة وطنية ذات مصداقية، ترسخ التعددية السياسية والثقافية والترابية والجهوية، وتواكب الدولة تطورها ومتانتها الاقتصادية والتدبيرية، وتدعم استقلاليتها، وأيضا الخدمة المجتمعية التي تقدمها.بلادنا في حاجة الى الوعي بمهمات المرحلة الحالية، وأيضا الى النظر الهادئ في بديهيات قواعد وشروط الدولة الحديثة.الهاجس الحاضر اليوم عند أغلب شعبنا هو حماية تميز بلادنا، والحفاظ على استقرارها، وتحقيق التقدم الإقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يجب اليوم أن تدركه الحكومة الحالية، وأن تساهم في جعل بلادنا تكسب رهانه.لنعد للسياسة إذن…لتفكر الحكومة ببعد النظر، وبحجم ما هو مطروح على البلاد من رهانات، وليس بحسابات شخصية أنانية ضيقة جدا و… بليدة.

اشترك الآن في القائمة البريدية لموقع عالم أون لاين AalamOnline لمعرفة جديد الاخبار